يكتب جوزيف مسعد أن السياسة الأميركية في العالم العربي دفعت، على مدى عقود، باتجاه ما يُسمّى “تطبيع” العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل، بهدف تطويق الفلسطينيين بحلفاء لمستعمريهم وتجريدهم من أي دعم خارجي. ويرى مسعد أن هذا المسار لم يُقدَّم يومًا بوصفه حيادًا سياسيًا، بل كأداة لإعادة هندسة المنطقة على حساب الحقوق الفلسطينية، وأن نتائجه التاريخية تؤكد أنه قاد إلى توسع استعماري أعنف لا إلى سلام.

 

 يعرض ميدل إيست آي هذا الطرح في سياق تاريخي طويل، يبدأ من اتفاق أوسلو عام 1993 الذي حوّل منظمة التحرير الفلسطينية من حركة تحرر إلى كيان إداري محكوم بإيقاع الاحتلال، مرورًا بتسارع مسار التطبيع بعد “اتفاقيات أبراهام” عام 2020، وصولًا إلى اللحظة الراهنة التي تتزامن فيها موجات التطبيع مع حرب إبادة في غزة، دون أن يترتب على ذلك أي كبح لسياسات إسرائيل.

 

يرى مسعد أن التطبيع ليس مبادرة سلام بقدر ما هو استراتيجية احتواء صُمِّمت لإخماد النضال الفلسطيني. فحين استمرت المقاومة الفلسطينية، بدلًا من مراجعة الاستراتيجية، لجأت الولايات المتحدة وإسرائيل إلى تسريع التطبيع وتوسيعه ليشمل دولًا عربية وأخرى ذات غالبية مسلمة لم تخض أصلًا حروبًا مع إسرائيل. ويؤكد الكاتب أن هذا التوسع لم يأتِ استجابة لتغيرات أخلاقية أو سياسية، بل لتكريس واقع إقليمي يضمن لإسرائيل حصانة دائمة من المساءلة.

 

يعيد المقال التذكير بجذور هذا التفكير في الأدبيات الصهيونية منذ عشرينيات القرن الماضي، حين سعت الحركة الصهيونية إلى انتزاع اعتراف عربي غير فلسطيني بالمشروع الاستيطاني. ويستعرض مسعد مواقف قادة صهاينة رأوا أن الاعتراف العربي يمكن شراؤه بالمال أو بالدعم السياسي، لا بتحقيق العدالة. ويخلص إلى أن ما فشل هؤلاء في إدراكه آنذاك تحقق لاحقًا عبر أنظمة عربية ارتبط بقاؤها بدعم القوى الغربية، فصار التطبيع أداة لحماية تلك الأنظمة أكثر منه مسارًا لتحرير الأرض أو إنهاء الاستعمار.

 

نتائج التطبيع: توسع لا سلام

 

يفنّد الكاتب الادعاءات القائلة إن التطبيع يمنح العرب نفوذًا للضغط على إسرائيل أو يحقق استقرارًا إقليميًا. ويستعرض سجلًا تاريخيًا يمتد لأكثر من خمسين عامًا، يُظهر أن كل موجة تطبيع ترافقت مع توسع استيطاني، وحروب جديدة، ومزيد من القمع. فمنذ خروج مصر من معادلة الصراع بعد كامب ديفيد، تسارعت الاعتداءات الإسرائيلية في لبنان وفلسطين، وتواصلت سياسات الضم والتهويد. ولم يؤدِّ تطبيع منظمة التحرير أو الأردن لاحقًا إلا إلى ترسيخ الاحتلال وإضعاف القدرة الفلسطينية على المقاومة.

 

ويؤكد مسعد أن اتفاقيات أبراهام منحت إسرائيل شعورًا كاملًا بالإفلات من العقاب، وهو ما انعكس في تصعيد غير مسبوق بلغ حد الإبادة الجماعية في غزة، دون اعتراض حقيقي من الدول المطبِّعة. بل يرى أن بعض هذه الدول عمّق علاقاته مع إسرائيل في ذروة العدوان، ما كشف أن التطبيع لا يوقف العنف بل يشرعنه.

 

يجادل المقال بأن التجربة التاريخية تُظهر بوضوح أن التطبيع العربي مع إسرائيل لم يحقق سلامًا ولا استقرارًا، بل أسهم في توسيع المشروع الاستعماري وتعزيز منطق القوة. ويعتبر أن الرهان المتكرر على التطبيع، رغم هذا السجل، يعكس إنكارًا للواقع أكثر مما يعكس قراءة سياسية عقلانية، وأن المقاومة الفلسطينية استمرت لأن جذور الصراع بقيت دون حل، مهما تغيّرت الشعارات.

https://www.middleeasteye.net/opinion/why-arab-normalisation-israel-means-more-colonisation